الخاطرة 16
الخاطرة 16:
النعمة هي الحالة الحسنة التي يكون عليها العبد بما يمن الله تعالى به عليه من المال والولد والعيش والعلم والحلم والصبر وغير ذلك، وهي كثيرة لا تحصى، منها الظاهر الذي يعرفه الناس ويرونه، ومنها الباطن الذي لا يعرفونه، أو يتفاوتون في معرفته، كما قال الله تعالى: “وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة”، وقال: “وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها”، ومعظم النعم ينساها الناس بحكم الاعتياد فلا يتفطنون لها إلا إذا افتقدوها .
ومن النعم ما يعده الناس ضرا وشرا، وهو نفع وخير، كما قال الله تعالى: “وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون”، وقال: “فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا”، فما كان من هذا القبيل تكليفا كان المطلوب حمل النفس عليه، ومجاهدتها على التزامه، وهذا معنى التكليف لأن فيه كلفة تقوى بابتعاد النفوس عما فطرت عليه، وما كان من غير هذا فعلاجه هو الصبر عليه بعد التوقي ومراعاة سنن الله في خلقه .
وقد تميزت سورة الرحمن عن غيرها بافتتاحها باسم الله الرحمن، وبالتعقيب على النعم المذكورة فيها واحدا وثلاثين مرة هكذا: “فبأي آلاء ربكما تكذبان”، والآلاء جمع ألي هي النعم، وهي كلها من رحمة الله العامة بخلقه، أو من رحمته الخاصة بالمتقين من عباده .
وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه السورة: “لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم: كنت كلما أتيت على قوله: “فبأي آلاء ربكما تكذبان”؛ قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد” .
والمقصود هل من جملة النعم قوله تعالى: “كل من عليها فان وببقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام”؟، وما جاء بعده من قوله تعالى: “كل يوم هو في شأن”، و”سنفرغ لكم أيها الثقلان”، ومن انشقاق السماء، وعقاب المجرمين، وغير ذلك؟ .
يقول بعضهم إن ذلك التعقيب تكرير، لأن الفناء ليس نعمة!!، ويقول آخرون: إن الآلاء في هذا ومثله هي قدرة الله تعالى على فعل ذلك، والحق أن ذلك من أجل النعم، والأمر في بعضها ظاهر، أما الفناء فمقدمة لا بد منها، به يستوي الخلق في الموت، ويظهر به المحق من المبطل، وينقلب هذا بالثواب، ويبوء الآخر بالعقاب، ويرى المؤمنون ربهم، ويمتاز المجرمون، ويعرف المنافقون، وتبلى السرائر، ويتسلى به المظلوم المحزون، ويشمل العدل الإلهي المكلفين كلهم، وكيف لا يكون نعمة وبه تنتهي الدنيا، وهي سجن المؤمن وجنة الكافر؟.