الخاطرة 19
الخاطرة 19:
فرط القلى والبغض يقيم بين المختلفين حجبا وحواجز تصل إلى أن لا يطيق بعضهم سماع اسم من يخالفه، فكيف بما يقوله أو يكتبه؟، مع أن الحق يجب أن يقبل كائنا من كان قائله
هذا ما عليه كثير من الدعاة، مع أنهم يقررون في مجالسهم، ويزينون كلامهم بالأثر الذي فيه الحب في الله والبغض في الله من الإيمان، ويقولون إن المسلم يحب على قدر ما هو عليه من الطاعات، ويبغض على قدر ما هو عليه من المعاصي، لكنك لا تجد لهذا أثرا في سلوكهم، ورحم الله مالكا إذ قال: “أدركت الناس وما يعجبهم القول ولكن يعجبهم العمل”، وليس القول الذي كان لا يعجبهم هو هذا القول الغالب علينا .
وقد سجل كتاب الله هذا المعنى على المشركين الذين كانوا يعلمون صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأمانته، وصلاح حاله، لكنهم اذا استمعوا إليه حالت الكراهية والحسد بينهم وبين الانتفاع بما يسمعون منه من الحق الذي يستيقنونه، وبما يرون من جميل معاملته، وفائق شمائله، ومهابته و وقاره، وسمته ودله، قال سبحانه: “ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون”، وقال: “أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون”، ولقنه أن يقول لهم: “قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة” .
وأخبر الله تعالى أنهم كانوا يخرجون من عنده وهم على الحال التي دخلوا عليه فيها، فقال: “وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به“.
وخير ما تعالج به ظاهرة السوء هذه العودة إلى الحق بالاعتدال، ومحاسبة النفس بعيدا عن الاغترار بالأتباع، ووزن المواقف بالشرع لا بالعواطف والأهواء، واستحضار الفاعل وقوفه بين يدي ربه وقد بليت سريرته، وكشف عن ناظره غطاؤه، فلا تدليس ولا تلبيس!! .
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المعنى قوله: “أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما“.
وروى مالك في الموطإ في أحد أبواب الأقضية أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري كي يسأل عليا رضي الله عنهم عن حكم أشكل عليه فأجابه، حصل هذا وهما في قتال !! .
وقد أحسن من قال:
وأبغض إذا أبغضت بغضا مقاربا*
فإنك لا تدري متى أنت راجع ؟*
وكن معدنا للخير واصفح عن الأذى*
فإنك راء ما عملت وسامع *
وأحبب إذا أحببت حبا مقاربا*
فإنك لا تدري متى أنت نازع ؟