الخاطرة 21
الخاطرة 21:
ذكرتني قيمة الدينار التي تدنت، والمبلغ الذي تبدل به الدولة العملة الصعبة لمن أراد السفر خارج الوطن؛ برحلتي إلى تايلاند سنة ١٩٨٥ لحضور مسابقة في حفظ القرآن الكريم نظمها مسلمو هذا البلد، وشارك فيها أمثالهم من منطقة (ناراسيوا) التي كانت فيها ثورة لم يكن الناس يعرفون عنها شيئا يومئذ، وما أدري مآلها الآن .
كان مبلغ التعويض عن نفقة السفر هو ٣٩٠٠د، وصرفها بالدولار هو ٧٧٠، وصرف هذه الدولارات بعملة تايلاندة هو ١٥٠٠٠٠٠ بات، والدينار يوميذ أغلى من الفرنك الفرنسي بنسبة ١٠٠ إلى ١٠٤!! .
فلما أخبرت بالسفر الذي هو الأول لغير مكة والمدينة قلت في نفسي: من الأقدس إلى الأخبث، لما أعلمه من أحوال بانكوك عاصمة تلك الدولة، وعدد سكان هذه المدينة يومئذ خمسة ملايين، وللمسلمين فيها أكثر من ١٠٠ مسجد ومصلى .
لم أكن أعلم عن ظروف الإقامة التي دامت أكثر من عشرة أيام شيئا، بل كنت أظن أن النفقة على الهيئة المضيفة!!، ثم اكتشفت في الطائرة خلاف ذلك، ثم لم أعثر من عنوان المضيفين في الدعوة إلا على رقم علبة البريد!!، فأدركت حينئذ أن الذين (أكرموني) بهذا السفر راموا أن يرضوا أخا الرئيس الشاذلي بن جديد رحمه الله، وهو والي ولاية سطيف يومئذ، الأخ خليفة، حيث كنت مفتشا للشؤون الدينية، وربما حسدوني لأني كنت ذا حظوة لديه كما يوحي به الظاهر الخداع!!، وقد انتهى الأمر إلى إنهاء مهامي في الولاية لأن الجهة المختصة اكتشفت أنني (خوانجي)، والحال أن الذين نسبوني إليهم كانوا يكفرونني لأنني إمام السلطان!! ….
لم أجد أحدا من المضيفين ينتظرني في المطار، بل رأيت امرأة تحمل لوحة كتب عليها اسمي ولقبي بحروف كبيرة فتحيرت، ثم تفطنت فتملصت، وركبت سيارة أجرة أوصلتني إلى أحد الفنادق، فلما سألت السائق عما أعطيه قال لي بالإشارة: إلى غد، ظن المسكين أنه عثر على صيد سمين، وقد قيل “ترى الناس كالنخل، وما يدريك ما للدخل”، وبعد ساعات جاءني، فأرجأ أخذ الأجرة، فقدرت، ثم أخرجت له ١٠٠ بات فاندهش، وأظهر لي بطاقة السعر كأنه يشكو، فاذا فيها المبلغ نفسه، فزدته ٢٠ بات ففرح، وظن أني ممن يترددون على بانكوك، فاسترحت منه .
علمت فيما بعد أن كراء الغرفة في الليلة يبلغ ١٢٥٠ بات، فقررت البقاء فيه ١٠ ليال وست ساعات!!، لأن الكراء عندهم يتجزأ، فوفرت بذلك بعض المال أشتري به الخبز وجوز الهند، والأناناس، والقهوة، بدل أن أن أذهب إلى فندق كلفته أقل، لكنه لا يليق بسمعة بلدي!! .
زرت صحفيا من إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية في فندق يسمى آسيا بدل أن أستقبله حيث أقيم، للسبب الذي تعرفه، وقد أجرى معي مقابلة عن تعليم القرآن في الجزائر، وذكر لي من بين ما ذكر أنه اشترى ٥٠٠ غرام من العود ب ١٥٠٠٠٠٠بات، وهو منحة سفري كلها كما علمت:
وكان ما كان مما لست ذاكره **
فظن خيرا لا تسأل عن الخبر .