الخاطرة 26

المشرف . مقالات الشيخ 392

الخاطرة 26:

من طرق الدعوة إلى الله تعالى الجدال، والأصل فيه الترك، لأن الله إنما أذن فيه مقيدا فقال: “وجادلهم بالتي هي أحسن”، وقال: “ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن”.
ومما لا بد من معرفته؛ حال من تجادله: أمؤمن هو أم ليس كذلك؟، إذ لا يصح أن يقبل جدال المسلم في قطعيات الدين التي لا يكون مسلما إلا بإقرارها، الا لإزالة شبهة، أو كشف لبس، أو طرد وسوسة .
لكن الذي نراه اليوم خلاف هذا، فكثير من المسلمين مفتونون بعلماء الغرب وأقوالهم التي يسعون جهدهم أن يقنعوا بها الناس، ومن ذلك ما جرى حين وفاة (ستيفن هوكنج) من الثناء عليه، بل ترحم عليه بعض المسلمين، وقد نسب إليه القول إن هذا العالم لا حاجة به إلى خالق يدبر أمره، ويكون قيوما عليه، لأن الجاذبية كافيه في انتظامه !!، فهل يطرد هذا الزعم في كل منتظم مضبوط فيقال أن نظامه منه، كالطائرة بدون طيار وما شابهها ؟.
لكأن هذه الجاذبية لم تكن معروفة عند القدماء من علماء المسلمين في الجملة، لقد كان بعض أهل العلم يعتبرها عمدا غير مرئية أخذا من قول الله تعالى: “خلق السموات بغير عمد ترونها”، وقد ذكرت مرتين في القرآن، ولأهل العلم فيها قولان: أولهما ليس لها عمد، والثاني أن لها عمدا، لكنها لا ترى !! .
ولهذا وقف بعضهم على “عمد”، وبعضهم وصلها، ومما يحتمله الضمير المؤنث أن يعود على عمد، فتكون جملة ترونها صفة لعمد، أي بغير عمد مرئية، وهو مروي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة، ورجح ابن كثير خلافه لأنه أكمل دلالة على القدرة، وليس بلازم .
وتكلموا على هذا الأمر في قوله تعالى: “إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا”، وقوله تعالى: “ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه”، لكن علماء الغرب أسرى الحس وسجناء المادة، فلهذا لم يهتدوا بما اطلعوا عليه من الأسرار، مع أن تطبيقات كثير من العلوم يتمتع بها معظم الناس ولا يعرفون لها تفسيرا ولا تكييفا ثم لا ينكرونها، وقد قال الله تعالى: “بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه” .
إن هذا الانبهار والافتتان بعلماء الغرب راجع إلى عدم معرفة المسلم عقيدته أو لأنها لم ترسخ في نفسه، هو مسلم بالجنسية والمنشإ والتقليد ونحو ذلك، ولأنه لم يترب على العقيدة منذ صباه، وبهذا يفسر كل اضطراب في أعماله الظاهره وشعوره بالنقص والانهزام إزاء حضارة الغرب ومدنيته وعلمائه ومفكريه .
وهذا معنى زيادة الإيمان ونقصانه، فإن من لازمه أن الناس فيه درجات: أدناها أن لا يستقر الإيمان في القلب، ومن كان هذا شأنه وإن حكم له بالإسلام فإنه عرضة للفتن وما أكثرها في هذا العصر، فمتى تعرض لها كان على خطر عظيم قد ينتهي به إلى الكفر .
وقد ذهب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومحمد رشيد رضا إلى أن جمهور المسلمين هم في هذه المنزلة التي قال الله تعالى عنها: “قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم”، وقوله سبحانه : “وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا”، دليل على اعتبار إيمان هؤلاء، وإن كانوا بهذه المنزلة، فلله الحمد والمنة .
فعلى علماء المسلمين أن يواجهوا هذا الخطر بالتصدي إلى رد هذه المزاعم، وعلى المسلمين كلهم أن يربوا أولادهم على العقائد الحقة التي لا شيء غيرها من طرق الوقاية نافع في التحصين بعد أن صار العالم كالبيت الواحد .

المشرف

Nam non diam eros, vitae dictum erat. Praesent lacinia diam vel mi sodales molestie? Pellentesque habitant morbi tristique senectus et netus et malesuada.